إن التكرار جزء حتمي من العملية الإبداعية.
إحدى أهم النصائح التي يقدمها الناس لتحسين كيفية وجودة الكتابة هي الكتابة أكثر وهذا يدل على فائدة التكرار. فكل أنواع الإبداع تقوم على هذه النظرية.
كلما قدّمت أعمال أكثر كلّما زاد التكرار في أعمالك.
فجأة، يتحوّل هذا لخوف لدى الكاتب في أن تصبح كتاباته مملّة للقرّاء. لذا يقوم الكاتب بصورة إرادية بالتخفيف من عدد مقالاته اليومية أو الأسبوعية.
في رأيي هذا المعتقد خاطئ تماماً
فهو يجبرك على كسر الروتين الخاص بك وعاداتك الجيدة. سترى نفسك تؤجّل أعمالك وقبل أن تدرك هذا الأمر لن تستطيع القيام بأي عمل على الإطلاق. بعدها لن يعود الإبداع وتوليد الأفكار جزءاً من النشاط اليومي لعقلك.
بالنتيجة ستعتمد في النهاية على إرادتك لإنجاز العمل. والإرادة هي أمر لا يمكن الإعتماد عليه فقد يخونك في كثير من الأحيان.
هناك أمر لا يدركه الكثير منّا أن التكرار عنصر أساسي في عملية تطوّر القدرة الكتابية والإبداع. من خلال التكرار نحسّن ونطوّر أفكارنا نعالجها ونتعلّم طريقة إيضاحها للجمهور بصورة أفضل وأبسط.
في حال توضيح فكرة لمرّة واحدة فقط فإننا لن نعرف هل كانت فكرتنا ناجحة (أو فاشلة) أو هل كان الفشل هو سبب طريقة عرضنا لهذه الفكرة. أما ميزة التكرار أنه يمنحنا الفرصة للمقارنة بين طريقتي عرض فكرة واحدة وعندها نعلم أي منهما كانت الأفضل وجذبت الجمهور أكثر واستطاعت إيصال المفهوم بسلاسة أكبر، أم أن الفكرة من الأساس فاشلة ولم تكن ذات قيمة لتكرر أو أنها خاطئة من الأساس.
إن التكرار ليس مفيداً للكاتب فقط بل إنه نافع جدا للقارئ أيضاً.
في المرة الاولى لعرض الفكرة قد لا يفهمها كامل الجمهور بشكل صحيح. في المرة الثانية تزداد فرصة فهمهم وبالتالي يُركّزوا على الموضوع بشكل أكبر بهدف التعلّم
جميعنا ندرك المشكلة:
"يتلقّى الناس نصائح كثيرة جداً جداً. إلا أنهم يعملوا بالقليل منها"
غالباً ما يقرأ الشخص عن موضوع ثم ينساه بعد قرائته مباشرة. ينتقل الشخص للنقطة الثانية دون تطبيق النقطة الأولى أساساً. فهم يُعدّوا مستهلكين فقط وليسوا فاعلين.
يمكن أن يكون التكرار وسيلة نافعة جداً لتذكير الناس بأهمية الموضوع وضرورة تطبيقه والتغلّب على مشكلة النسيان والإستهتار السابقة.
(قد يقول شخص ما: نعم سمعت بهذا من قبل، إذاً لربّما إنه أمر مهم، دعني أجرّب القيام به لنرى النتائج).
*** هذا هو الهدف الرئيسي من التكرار في النهاية. ألا وهو تغيير الطبع الغالب على الناس وهو كما يقول المثل العامّي (تدخل النصيحة من الأذن اليمنى لتخرج من اليسرى بنفس اللحظة) فتغيير طبع الناس هو أمر مذهل وأهم جدّا وأقوى من نصحهم فقط.
كل منّا لديه أفكاره ومعتقداته التي يؤمن بها ونظرته الخاصة إلى العالم الخارجي. أفكارك في النهاية هي محصورة ضمن هذه المعتقدات والتي تقع ضمن نظرتك للعالم ككل. رؤيتك للعالم هي التي تخاطب بها الجميع.
في الكتابة تقلّباتنا العاطفية والذهنية تؤدي إلى إنجاز كتابتنا على شكل مراحل: لفترة من الزمن تهتم بموضوع ما وتستمتع بالكتابة حوله ومن ثم تريد التغيير وتولع بموضوع آخر ومن الممكن بعدها أن تعود لمواضيع قديمة كتبت عنها في السابق.
ضمن هذه العناوين سترى الكثير من التكرار في مواضيعك. في النهاية يوجد الكثير لقوله ولكن ومع مرور الوقت ستحاول الربط بين هذه المواضيع المختلفة و حينها ستكون أنجزت عملاً مذهلاً بكل ما تعنيه الكلمة.
"إن الإبداع يكمن بين تقاطع سطور مجالات العلم والمعرفة المختلفة"
لكن للقيام بهذا عليك ان تعطي نفسك مسافة لاستكشاف كل مجال بشكل عميق وواسع. عليك أن تعطي لنفسك حريتها كي تطلق إبداعاتها ومع مرور الوقت سيتطور عملك وستستطيع عندها خلق أفكار جديدة مبتكرة.
لكن هذه العملية تستغرق وقتاً من الزمن لذا عليك الصبر ومنح عقلك الباطني المساحة الكافية للقيام بعمله بهدوء ومع مرور الوقت ستصبح أعمالك منمقة منقّحة بشكل أفضل وستتطور لتصبح شيئاً مختلفاً كلّياً.
كما قلت سابقا أجدد في الختام:
"إن التكرار جزء حتمي من العملية الإبداعية"